فصل: أمر الديار المصرية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


ثم انتدب جماعة بعد مسكه للسعي في هلاكه وأشاعوا أنه باق على دين النصرانية وأثبتوا في ذهن صرغتمش ذلك وأنه لما دخل إلى القدس في سيرته هذه بدأ في زيارته بالقمامة فقبل عتبتها وتعبد فيها ثم خرج إلى المسجد الأقصى فأراق الماء في بابه ولم يصل فيه وتصدق على النصارى ولم يتصدق على غيرهم ورتبوا فتاوى أنه آرتد عن دين الإسلام‏.‏

وكان أجل من قام عليه الشريف شرف الدين نقيب الأشراف والشريف أبو العباس الصفراوي وبدر الدين ناظر الخاص والصواف تاجر الأمير صرغتمش وأشهد عليه أن جميع ما يملكه إنما هو للسلطان من مال بيت المال دون ماله‏.‏

ثم حسنوا لصرغتمش ضربه فأمر به فأخرج وفي عنقه باشة وجنزير وضرب عريانًا قدام باب قاعة الصاحب من القلعة‏.‏

ثم أعيد إلى موضعه وعصر وسقي الماء والملح‏.‏

ثم سلم لشاد الدواوين وأمر بقتله فنوع عليه أنواع العذاب فتكلم الأمير شيخون في عدم قتله فأمسك عنه ورتب له الأكل والشرب وغيرت عنه ثيابه ونقل من قاعة الصاحب إلى بيت صرغتمش واستمر على ذلك إلى أن أخرج إلى قوص منفيًا ومات بها بعد أن أخذ سائر موجوده وأخذ منه ومن حواشيه فوق الألفي ألف دينار‏.‏

انتهى‏.‏

وأما

 أمر الديار المصرية

فإنه لما كان يوم الإثنين ثامن عشرين ذي الحجة قدم البريد من حلب بأخذ أحمد الساقي نائب حماة وبكلمش نائب طرابلس من عند ابن دلغادر وسجنا بقلعة حلب فأمر السلطان إلى نائب حلب بخلعه‏.‏

وفي هذه الأيام توفي الخليفة أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بعد أن عهد لأخيه أبي بكر فطلب أبو بكر وخلع عليه خلعة الخلافة بحضرة السلطان والأمير شيخون ولقب بالمعتضد بالله أبي بكر‏.‏

يأتي ذكره في الوفيات على عادة هذا الكتاب‏.‏

وقد ذكرناه في المنهل الصافي بأوسع مما يأتي ذكره فيه وأيضًا في مختصرنا المنعوت‏:‏ ‏"‏ بمورد اللطافة في ذكر من ولي السلطنة والخلافة ‏"‏‏.‏

وأما أمر بيبغا أرس فإنه لما أرسل قراجا بن دلغادر أحمد الساقي نائب حماة وبكلمش نائب طرابلس إلى حلب في القيود واعتقلا بقلعة حلب حسب ما ذكرناه فكان ذلك آخر العهد بهما‏.‏

ثم أرسل قراجا المذكور بيبغا أرس بعد أيام في محرم سنة أربع وخمسين وسبعمائة فاعتقل بقلعة حلب وكان ذلك آخر العهد به‏.‏

أيضًا‏.‏

رحمه الله‏.‏

وقيل‏:‏ إنه ما حضر إلى حلب إلا رؤوسهم‏.‏

والله أعلم‏.‏

وفي بيبغا أرس يقول الأديب زين الدين عبد الرحمن بن الخضر السنجاري الحلبي - رحمه الله - أبياتًا منها‏:‏ بغى بيبغا بغي الممالك عنوة وما كان في الأمر المراد موفقا أغار على الشقراء في قيد جهله لكي يركب الشهباء في الفلك مطلقا فلما علا في ظهرها كان راكبًا على أدهم لكنه كان موثقا ثم رسم السلطان الملك الصالح صالح أن يقر أهل الذمة على ما أقرهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عليه من ترك تشبههم بالمسلمين في أمر من الأمور وترك ركوب الخيل وحمل السلاح ورفع أصواتهم على أصوات المسلمين وأشباه ذلك‏.‏

ثم رسم بنفي الأمير منجك اليوسفي الوزير كان إلى صفد بطالًا‏.‏

وفي هذه السنة أعني سنة أربع وخمسين وسبعمائة انتهت عمارة الأمير سيف الدين طاز التي تجاه حمام المارقاني فعمل طاز وليمة وعزم على السلطان والأمراء ومد سماطًا عظيمًا‏.‏

ولما انتهى السماط وعزم السلطان على الركوب قدم له أربعة أرؤس من الخيل بسروج ذهب وكنابيش زركش وقدم للأمير سيف الدين شيخون فرسين ولصرغتمش فرسين ولسائر الأمراء المقدمين كل واحد فرسًا ولم يعهد قبل ذلك أن سلطانًا نزل إلى بيت بعض الأمراء بعد الملك الناصر محمد بن قلاوون إلا هذا‏.‏

وحج بالناس في هذه السنة الأمير ركن الدين عمرشاه الحاجب صاحب القنطرة خارج القاهرة‏.‏

ثم استهلت سنة خمس وخمسين وسبعمائة فكان فيها الواقعة والفتنة بين حاشية طاز وبين صرغتمش‏.‏

والسبب لهذه الحركة أن الأمير صرغتمش كان يخاف من طاز ويغض منه وكذلك كان طاز يغض من صرغتمش وكان طاز يدخل على شيخون مرارًا عديدة بمسك صرغتمش وكان شيخون يكره الفتن والفساد وقصده الصلاح للأمور بكل ما يمكن فكان شيخون يعده ويصبره‏.‏

وكان صرغتمش أيضًا يخاف شر طاز ويقول لشيخون‏:‏ هذا ما يريد إلا هلاكي فكان شيخون يطمئنه على نفسه ويعده بكل خير‏.‏

وكان أخوه طاز وحواشيه تحرضه على صرغتمش وعلى إثارة الفتنة‏.‏

وقوي أمر طاز وإخوته وخرج عن الحد وهم الأمير جنتمر وكلتاي وصهره طقطاي فهؤلاء الذين كانوا يحركون طاز على قيام الفتنة ومسك صرغتمش ليستبد طاز بالأمر وحده ويكونوا هم عظماء الدولة وشيخون يعلم بذلك ويسكنهم ويرجعهم عن قصدهم وطاز يستحي من شيخون‏.‏

وطال الأمر إلى أن اتفق طاز مع إخوته المذكورين وغيرهم من مماليكه وأصحابه أنه يخرج هو إلى الصيد فإذا غاب عن المدينة يركب هؤلاء على صرغتمش ومن يلوذ به ويمسكونه في غيبته فيكون بغيبة طاز له عذر عند شيخون من حيائه منه فلما خرج طاز إلى الصيد بالبحيرة بإذن الأمير شيخون له وما عند شيخون علم من هذا الاتفاق رتب حاشية طاز وإخوته ومن يلوذ به أمرهم واجتمعوا ولبسوا السلاح وركبوا على صرغتمش فلما سمع شيخون بذلك أمر مماليكه أن يركبوا بالسلاح وكانوا مقدار سبعمائة مملوك فركبوا‏.‏

وركب الأمير صرغتمش ومن يلوذ به‏.‏

ووقع الحرب بينهم وبين إخوة طاز وتقاتلا فانكسر إخوة طاز وقبض عليهم وعلى أكابر مماليك طاز وحواشيه فهربت البقية فدخل صرغتمش هو ومن بقي من أكابر الأمراء إلى شيخون وقالوا‏:‏ ‏"‏ لا بد من خلع الملك الصالح صالح وإعادة الملك الناصر حسن إلى السلطنة ‏"‏ لكون الصالح كان يميل إلى طاز فاعتذر شيخون بأعذار غير مقبولة وأراد إبقاء الصالح فلم يوافقوه وما زالوا به حتى أذعن واتفقوا على خلعه فخلع وأعيد الملك الناصر حسب ما يأتي ذكره في ترجمته‏.‏

وكان خلع الملك الصالح صالح في يوم الإثنين ثاني شوال سنة خمس وخمسين وسبعمائة فكانت مدة سلطنته بالديار المصرية ثلاث سنين وثلاثة أشهر وأربعة عشر يومًا‏.‏

وحبس بالقلعة في بعض دورها إلى أن توفي بها في ذي الحجة سنة إحدى وستين وسبعمائة وله نحو سبع وعشرين سنة‏.‏

ودفن بتربة عمه الملك الصالح علي بن قلاوون الخاتونية بالقرب من المشهد النفيسي خارج القاهرة‏.‏

وكان - رحمه الله - ملكًا جليلًا مليح الشكل عاقلًا لم تشكر سيرته ولم تذم لأنه لم يكن له في سلطنته إلا مجرد الاسم فقط لغلبة شيخون وطاز وصرغتمش على الأمر لأنهم كانوا هم حل المملكة وعقدها وإليهم أمورها لا لغيرهم‏.‏

وأما أمر طاز فإنه يأتي - إن شاء الله تعالى - في أول سلطنة الملك الناصر حسن بعد ذكر حوادث سني الملك الصالح هذا كما هي عادة هذا الكتاب‏.‏

انتهى والله سبحانه أعلم‏.‏

السنة الأولى من سلطنة الملك الصالح صالح ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون على مصر وهي سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة على أنه حكم من السنة الماضية من سابع عشر جمادى الآخرة إلى آخرها‏.‏

وفيها أعني سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة‏:‏ توفي قاضي القضاة نجم الدين محمد الأذرعي الشافعي بدمشق على قضائها وتولى بعده قضاء دمشق قاضي القضاة كمال الدين المعري قاضي قضاة حلب‏.‏

وتوفي الشيخ الإمام العلامة فريد دهره ووحيد عصره زين الدين المعروف بالعضد العجمي الحنفي رحمه الله تعالى‏.‏

كان إمامًا بارعًا مفتنًا فقيهًا مصنفًا وله اليد الطولى في علم المعقول والمنقول وتولى قضاء القضاة بممالك القان بوسعيد ملك التتار بل كان هو المشار إليه بتلك الممالك والمعول على فتواه وحكمه وتصدى للإقراء والإفتاء والتصنيف عدة سنين‏.‏

ومن مصنفاته ‏"‏ شرح المختصر لابن الحاجب ‏"‏ و ‏"‏ المواقف ‏"‏ و ‏"‏ الجواهر ‏"‏ وغير ذلك في عدة فنون وكان رحمه الله كريمًا عفيفًا جوادًا حسن السيرة مشكور الطريقة‏.‏

وتوفي الأديب الفاضل الشاعر بدر الدين أبو علي الحسن بن علي المغربي المعروف بالزغاري الشاعر المشهور‏.‏

مات عن نيف وخمسين سنة‏.‏

ومن شعره قوله‏:‏ أعجب ما في مجلس اللهو جرى من أدمع الراووق لما انسكبت لم تزل البطة في قهقهة ما بيننا تضحك حتى انقلبت قال وله أيضًا‏:‏ قالت وقد أنكرت سقامي لم أر ذا السقم يوم بينك قال وله أيضًا‏:‏ فتنت بأسمر حلو اللمى لسلوانه الصب لم يستطع تقطع قلبي ومارق لي ودمعي يرق ولا ينقطع وتوفي النوين أرتنا وقيل أرطنا سلطان بلاد الروم‏.‏

كان نائبًا عن السلطان بوسعيد بن خربندا ملك التتار بجميع ممالك الروم ودام على ذلك سنين فلما مات بوسعيد كاتب أرتنا هذا السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون وقال له‏:‏ أريد أن أكون نائبك بممالك الروم فأجابه الملك الناصر محمد وكتب له بذلك وأرسل إليه الخلع السنية وكتب له‏:‏ نائب السلطنة الشريفة بالبلاد الرومية‏.‏

ولم تزل رسله تتردد إلى الديار المصرية إلى أن مات في أوائل المحرم من هذه السنة رحمه الله تعالى‏.‏

وكان ملكًا عارفًا عاقلًا سيوسًا مدبرًا طالت أيامه في السعادة‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين تلك بن عبد الله الناصري الأمير آخور بغزة في عوده إلى الديار المصرية وقد تقدم ذكره في عدة أماكن من هذا الكتاب‏.‏

وتوفي الشيخ بهاء الدين محمد بن علي بن سعيد الفقيه الشافعي بدمشق في شهر رمضان‏.‏

وكان فقيهًا فاضلًا يعرف بابن إمام المشهد‏.‏

وتوفي القاضي شهاب الدين يحيى بن إسماعيل بن محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد بن خالد بن محمد بن نصر الشافعي الدمشقي المعروف بابن القيسراني كاتب سر دمشق بطالًا‏.‏

كانت له فضيلة وهو من بيت كتابة وفضل‏.‏

وتوفي الأمير شهاب الدين أحمد بن بيليك المحسني‏.‏

كان أميرًا فقيهًا شافعيًا أديبًا‏.‏

نظم كتاب ‏"‏ التنبيه في الفقه ‏"‏ وكتب عدة مصنفات وكان معدودًا من الفضلاء العلماء‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وآثنتا عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وست عشرة إصبعًا‏.‏

السنة الثانية من سلطنة الملك الصالح صالح ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون على مصر وهي سنة أربع وخمسين وسبعمائة‏.‏

فيها توفي الخليفة أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد الهاشمي العباسي‏.‏

كان بويع بالخلافة بعد وفاة والده بقوص في العشرين من شعبان سنة إحدى وأربعين وسبعمائة فلم يمض له ما عهده أبوه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون لما كان في نفسه من ووالده المستكفي بالله من ميله للملك المظفر بيبرس الجاشنكير وأراد أن يولي الخلافة لبعض أقاربه بل أحضره وخلع عليه‏.‏

ثم مات الملك الناصر بعد ذلك بمدة يسيرة فتمت بموته خلافة الحاكم هذا إلى أن مات في هذه السنة‏.‏

والمتوفي يومئذ لأمور الديار المصرية الأمير شيخون والأمير طاز والأمير صرغتمش ونائب السلطنة الأمير قبلاي والسلطان الملك الصالح صالح‏.‏

وكان الحاكم مات ولم يعهد بالخلافة لأحد فجمع الأمراء القضاة وطلب جماعة من بني العباس حتى وقع الاختيار على أبي بكر بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان فبايعوه ولقبوه بالمعتضد‏.‏

وتوفي قاضي القضاة علاء الدين أبو الحسن علي ابن الشيخ جمال الدين الحنفي المعروف بابن الفويرة في العشر الأوسط من شوال‏.‏

كان فقيهًا بارعًا‏.‏

باشر توقيع الدست الشريف وكتب وصنف وولي القضاء سنين‏.‏

وتوفي الشيخ المسند المعمر صدر الدين محمد بن شرف الدين محمد بن إبراهيم الميدومي المصري في شهر رمضان ودفن بالقرافة عن تسعين سنة‏.‏

وكان مولده سنة أربع وستين وستمائة وهو آخر من حدث عن النجيب عبد اللطيف وابن علان وسمع منه السراجان‏:‏ البلقيني وابن الملقن‏.‏

وتوفي القاضي الرئيس زين الدين أبو حفص عمر بن شرف الدين يوسف بن عبد الله بن يوسف بن أبي السفاح الحلبي الشافعي الكاتب‏.‏

كان كاتب الإنشاء بحلب ثم ولي صحابة الإنشاء بها ووكالة بيت المال إلى أن مات بحلب عن نيف وستين سنة‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين ألجيبغا بن عبد الله العادلي‏.‏

كان من أكابر الأمراء‏.‏

أقام أميرًا نحو ستين سنة وكان قد أصابته ضربة سيف في وقعة أرغون شاه بدمشق بانت منها يده اليمنى‏.‏

واستمر على إمرته وتقدمته إلى أن مات في السابع من شهر ربيع الآخر ودفن بترتبه بدمشق خارج باب الجابية وقد أناف على تسعين سنة‏.‏

وتوفي الأمير الجليل بدر الدين مسعود بن أوحد بن مسعود بن الخطير بدمشق في سابع شوال بعد ما تنقل في عدة ولايات وأعمال‏:‏ مثل حجوبية الحجاب بديار مصر ونيابة غزة وغير ذلك‏.‏

وكان مولده سنة ثلاث وثمانين وستمائة بدمشق ونشأ بها وولي الحجوبية بها‏.‏

وأرسله تنكز إلى مصر صحبة أسندمر رسول خوبان فلما رآه الملك الناصر أعجبه شكله فرسم له بإمرة طبلخاناه بمصر وجعله من جملة الحجاب فأقام على ذلك إلى أن قبض السلطان على مملوكه ألماس الحاجب ولاه عوضه حاجب الحجاب ولم يكن بمصر يوم ذلك نائب سلطنة فعظم أمره إلى أن مسك تنكز رسم له السلطان بنيابة غزة‏.‏

ثم بعد موت الملك الناصر أعطي إمرة بدمشق ثم طلب إلى مصر وأعيد إلى حجوبية الحجاب ثانيًا فلم تطل مدته لاختلاف الكلمة وأخرج إلى نيابة غزة ثانيًا ثم عزل ونقل إلى إمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق ثم ولي نيابة غزة ثالث مرة وأقام بها سنين ثم عزل وتوجه إلى دمشق أميرًا بها‏.‏

ثم ولي نيابة طرابلس فلم تطل مدته بها وعزل وتوجه أيضًا إلى دمشق فأقام بها إلى أن مات‏.‏

رحمه الله‏.‏

وتوفي في هذه السنة جماعة ممن تقدم ذكرهم من الأمراء قتلوا بقلعة حلب وهم‏:‏ الأمير أحمد الساقي نائب حماة وبكلمش نائب طرابلس وبيبغا أرس شاف حلب وغيرهم‏.‏

فأما الأمير بيبغا أرس القاسمي فإن أصله من مماليك الملك الناصر محمد ابن قلاوون ومن أعيان خاصكيته ثم ولي بعد موته نيابة السلطنة بالديار المصرية في أول سلطنة الملك الناصر حسن ثم قبض عليه بطريق الحجاز وحبس ثم أطلق في أول دولة الملك الصالح صالح وتولى نيابة حلب بعد أرغون الكاملي ولما ولي نيابة حلب شدد على من يشرب الخمر بها إلى الغاية وظلم وحكم في ذلك بغير أحكام الله تعالى حتى إنه سمر من سكر وطيف به بشوارع حلب وفي هذا المعنى يقول ابن حبيب‏:‏ أهل الطلا توبوا وكل منكم يعود عن ساق التقى مشمرا فمن يبت راووقه معلقًا أصبح ما بين الورى مسمرا تب عن الخمر في حلب والزم العقل والأدب حدها عند بيبغا بالمسامير والخشب ثم خرج بيبغا عن طاعة السلطان ووقع له ما حكينا في ترجمة الملك الصالح إلى أن ظفر به وقتل في قلعة حلب وفيه يقول بعض الأدباء‏:‏ لما آعتدى بيبغا العادي ومن معه على الورى فارقوا كرهًا مواطنهم خوف الهلاك سروا ليلًا على عجل فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم وتوفي الرئيس أمين الدين إبراهيم بن يوسف المعروف بكاتب طشتمر‏.‏

كان من أعيان الكتاب وتولى نظر الجيش بالديار المصرية مدة ثم عزل وأخرج إلى القدس فأقام به مدة ثم أعيد إلى القاهرة فأقام بها إلى أن مات‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين بيغرا بن عبد الله الناصري ثم المنصوري أحد أمراء الألوف بالديار المصرية وهو بطال بحلب وكان شجاعًا مقدامًا من أعيان أمراء مصر وقد تقدم ذكره في عدة أماكن‏.‏

وتوفي الأمير زين الدين قراجا بن دلغادر صاحب أبلستين في رابع عشر ذي القعدة وقد تقدم ذكره في واقعة الأمير بيبغا أرس‏.‏

وتوفي الشيخ جمال الدين أبو الحجاج يوسف ابن الإمام شمس الدين أبي محمد عبد الله بن العفيف محمد بن عبد المنعم المقدسي النابلسي ثم الدمشقي الحنبلي في شهر رجب ومولده سنة إحدى وتسعين وستمائة‏.‏

وتوفي الشيخ إمام الدين محمد بن زين الدين محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن الحسن القيسي القسطلاني الشافعي بالقاهرة في عشرين المحرم ومولده بمكة المشرفة في سنة إحدى وسبعين وستمائة‏.‏

وتوفي حاكم الموصل وسنجار الأمير بدر الدين حسن بن هندوا‏.‏

كان من أعيان الملوك يوسف وكان بينه وبين صاحب ماردين عداوة ووقع بينهما حروب قتل في بعضها حسن هذا بعد القبض عليه‏.‏

وتوفي القاضي شرف الدين أبو محمد عبد الوهاب ابن الشهاب أحمد بن محيي الدين يحيى بن فضل الله بن المجلي بن دعجان بن خلف القرسي العمري‏.‏

نسبته إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏.‏

مات في شوال من هذه السنة‏.‏

مولده في ثالث ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وستمائة بدمشق ومات بها في شهر رمضان وكان إمامًا بارعًا كاتبًا بليغًا أديبًا مترسلًا‏.‏

كتب المنسوب الفائق وتنقل في الخدم حتى ولي ناظر ديوان الإنشاء بالديار المصرية مدة طويلة وهو أول كاتب سر ولي بمصر من بني فضل الله ولاه الأشرف خليل بن قلاوون بعد عزل عماد الدين إسماعيل بن أحمد بن الأثير فدام في كتابة السر سنين إلى أن نقله الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى كتابة سر دمشق عوضًا عن أخيه محيي الدين يحيى بن فضل الله وولي عوضه القاضي علاء الدين بن الأثير‏.‏

ولما مات رد الشعراء والعلماء ورثاه العلامة شهاب الدين محمود بقصيدته التي أولها‏:‏ لتبك المعالي والنهى الشرف الأعلى وتبك الورى الإحسان والحلم والفضلا ومن شعر القاضي شرف الدين المذكور يمدح الملك المنصور قلاوون الألفي الصالحي‏:‏ تهب الألوف ولا تهاب لهم ألفًا إذا لاقيت في الصف ألف وألف في ندى ووغى فلأجل ذا سموك بالألفي وله أيضًا لما ختن الملك الناصر محمد بن قلاوون‏:‏ لم يروع له الختان جنانًا قد أصاب الحديد منه حديدا مثلما تنقص المصابيح بالقط فتزداد في الضياء وقودا أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع سواء‏.‏

مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وست عشرة إصبعًا‏.‏

والله السنة الثالثة من سلطنة الملك الصالح صالح ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون على مصر وهي سنة خمس وخمسين وسبعمائة وفيها خلع الملك الصالح المذكور في ثاني شوال‏.‏

وفيها توفي العلامة زين الدين أبو الحسن علي بن الحسين بن القاسم بن منصور بن علي الموصلي الشافعي الشهير بابن شيخ العوينة بالموصل عن أربع وسبعين سنة‏.‏

وكان إمامًا فقيهًا بارعًا مصنفًا ناظمًا ناثرًا‏.‏

نظم كتاب ‏"‏ الحاوي ‏"‏ في الفقه وشرح ‏"‏ المختصر ‏"‏ و ‏"‏ المفتاح ‏"‏ وقدم إلى الشام متوجهًا إلى الحجاز الشريف وهو القائل‏:‏ وما اخترت بعد الدار عمن أحبه صدودًا وحاشى أن يقال صدود ولكن أسباب الضرورة لم تزل إلى غير ما تهوى النفوس تقود وتوفي القاضي شهاب الدين أحمد ابن القاضي شمس الدين إبراهيم بن المسلم بن هبة الله بن حسان بن محمد بن منصور الجهني الشافعي الشهير بابن البارزي ناظر أوقاف دمشق وبها مات عن نيف وثمانين سنة‏.‏

وتوفي الشيخ الإمام سراج الدين أبو حفص عمر ابن القدوة نجم الدين عبد الرحمن بن الحسين بن يحيى بن عبد المحسن القباني الحنبلي‏.‏

كان إمامًا زاهدًا عابدًا‏.‏

أفتى ودرس وحدث وباشر مشيخة المالكية بالقدس إلى أن مات‏.‏

وتوفي الشيخ الإمام العالم العلامة فخر الدين أبو طالب أحمد بن علي بن أحمد الكوفي البغدادي الحنفي الشهير بابن الفصيح‏.‏

مات بدمشق وقد قارب الثمانين سنة‏.‏

وكان إمامًا عالمًا بارعًا في فنون ناظمًا ناثرًا‏.‏

نظم ‏"‏ الكنز في الفقه ‏"‏ و ‏"‏ السراجية في الفرائض ‏"‏‏.‏

وقدم إلى دمشق وتصدى للافتاء والتدريس والإقراء إلى أن مات بها‏.‏

ومن شعره وهو في غاية الحسن‏:‏ أمر سواكه من فوق در وناولنيه وهو أحب عندي فذقت رضابه ما بين ند وخمر أمزجا منه بشهد وله أيضًا‏:‏ زار الحبيب فحيا يا حسن ذاك المحيا من صده كنت ميتًا من وصله عدت حيا وتوفي الشيخ الإمام شهاب الدين أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الظاهري الدمشقي الشافعي مدرس الفروخشاهية‏.‏

كان فقيهًا فاضلًا‏.‏

مات بدمشق عن نيف وثمانين سنة‏.‏

وكان له نظم وينشىء المقامات وله القصيدة الحجازية التي أولها‏:‏ وتوفي الشيخ الإمام جمال الدين محمد بن علاء الدين على بن الحسن الهروي الحلبي الحنفي المعروف بالشيخ زادة‏.‏

كان فقيهًا متصوفًا زاهدًا‏.‏

قال ابن حبيب‏:‏ أنشدني بيتين بالفارسي وذكر لي معناهما وآقترح علي نظمهما بالعربي فقلت‏:‏ ألحاظه شهدت بأني مخطىء وأتت بخط عذاره تذكارا يا حاكم الحب اتئد في قصتي فالخط زور والشهود سكارى ومن إنشاء الشيخ زادة المذكور قوله‏:‏ وما العيش إلا والشبيبة غضة ولا الحب إلا والمحبون أطفال وهم زعموا أن الجنون أخو الصبا فليت جنونًا دام والناس غفال وكانت وفاته بحلب عن نيف وخمسين سنة‏.‏

وتوفي الشريف علاء الدين أبو الحسن علي ابن الشريف عز الدين حمزة بن علي بن حسن بن زهرة بن الحسن بن زهرة بن الحسين الحلبي نقيب الأشراف بحلب وبها مات عن نيف وسبعين سنة وكان رئيسًا كاتبًا مجيدًا عارفًا مثريًا‏.‏

وتوفي الصاحب الوزير علم الدين عبد الله بن تاج الدين أحمد بن إبراهيم الشهير بابن زنبور المصري القبطي المقدم ذكره‏.‏

ولي الوزارة ونظر الجيش والخاص ولم تجتمع لأحد قبله‏.‏

ثم نكب وتوفي الوزير الصاحب موفق الدين أبو الفضل هبة الله بن سعيد الدولة القبطي المصري‏.‏

ولي نظر الدولة ثم الخاص ثم الوزارة إلى أن مات‏.‏

وكان مشكور السيرة حسن الأخلاق وعنده تواضع وكريم ومعرفة وعقل‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين أيتمش المحمدي الناصري نائب طرابلس‏.‏

مات بها وتولى عوضه منجك اليوسفي الوزير أخو بيبغا أرس‏.‏

وكان أيتمش وافر الحشمة لين الجانب بعيد الشر قريب الخير وعنده عقل وسكون ووقار‏.‏

ولي الحجوبية والوزارة بالديار المصرية ثم ولي نيابة دمشق مدة سنين إلى أن قبض عليه وسجن بثغر الإسكندرية ثم أطلق وولي نيابة طرابلس بعد بكلمش الناصري فدام على نيابتها إلى أن مات‏.‏

وتوفي السلطان أبو الحجاج يوسف بن إسماعيل بن فرج صاحب الأندلس وما والاها طعن بخنجر في جبينه في يوم عيد الفطر فمات منه وتسلطن بعده ابنه أبو عبد الله محمد بن يوسف‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين إياجي بن عبد الله الناصري نائب قلعة دمشق‏.‏

كان شجاعًا مقدامًا أظهر في فتنة الأمير بيبغا أرس أمرًا عظيمًا من حفظ قلعة دمشق وقاتل بيبغا أرس قتالًا عظيمًا وقام في ذلك أتم قيام‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين مغلطاي بن عبد الله الناصري بطالًا في عاشر شهر رمضان وكان من أعيان مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون وخاصكيته وتولى رأس نوبة ثم صار أمير شكار ثم ولي الأمير آخورية الكبرى ثم أمسك وحبس بعد أمور وقعت له ثم أطلق وأخرج إلى الشام بطالًا فدام به إلى أن مات رحمه الله تعالى‏.‏

وتوفي تاج الدين أبو الفضائل أحمد بن الصاحب أمين الملك عبد الله بن الغنام القبطي المصري في شوال تحت العقوبة وهو أحد الكتاب المعدودة وتولى عدة وظائف وباشر عدة مباشرات وكان مشكور السيرة‏.‏

رحمه الله‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وثلاث عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة تسع عشرة ذراعًا وخمس أصابع‏.‏

سلطنة الناصر حسن الثانية قد تقدم ذكره في سلطنته الأولى من هذا الكتاب وذكرنا أيضًا سبب خلعه من السلطنة بأخيه الملك الصالح صالح ثم ذكرنا في ترجمة أخيه الصالح سبب خلع الصالح وإعادة الناصر هذا فلا حاجة لذكر ذلك ثانيًا‏.‏

والمقصود هنا الآن ذكر عود الملك الناصر حسن إلى ملكه فنقول‏:‏ ولما قبض على أصحاب الأمير طاز اتفق صرغتمش مع الأمير شيخون على خلع الملك الصالح من السلطنة وسلطنة الملك الناصر حسن ثانيًا وأبرموا ذلك حتى تم لهم‏.‏

فقاموا ودخلوا إلى القلعة وأرسلوا طلبوا الملك الصالح فلما توجه إليهم أخذ من الطريق وحبس في بيت من قلعة الجبل‏.‏

وأرسلوا أشهدوا عليه بأنه خلع نفسه من السلطنة ثم طلبوا الملك الناصر حسنًا من محبسه بالقلعة وكلموه في عوده وأشرطوا عليه شروطًا قبلها‏.‏

فأخذوه إلى موضع بالقلعة فيه الخليفة والقضاة وبايعوه ثانيًا بالسلطنة ولبسوه تشريف السلطنة وأبهة الملك وركب فرس النوبة ومشت الأمراء بين يديه إلى الإيوان فنزل وجلس على تخت الملك وقبلوا الأمراء الأرض بين يديه على العادة وكان ذلك في يوم الإثنين ثاني شوال سنة خمس وخمسين وسبعمائة‏.‏

ولم يغير لقبه بل نعت بالناصر كما كان أولًا على لقب أبيه‏.‏

ونوب بآسمه بمصر والقاهرة ودقت البشائر وتم أمره‏.‏

وحالما قلع الملك الناصر خلعة السلطنة عنه أمر في الحال بمسك الأمير طاز فشفع فيه الأمير شيخون لأنه كان أمنه وهو نزيله فرسم له السلطان بالتوجه إلى نيابة حلب فخرج من يومه وأخذ في إصلاح أمره إلى أن سافر يوم الجمعة سادس شوال وسار حتى وصل حلب في الخامس من ذي القعدة وكانت ولايته لنيابة حلب عوضًا عن الأمير أرغون الكاملي‏.‏

وطلب أرغون إلى مصر فحضر أرغون إلى القاهرة وأقام بها مدة يسيرة ثم أمسك‏.‏

وأقام طاز في نيابة حلب ومعه أخوه كلتاي وجنتمر وكلاهما مقدمان بها‏.‏

ودام الملك الناصر حسن في الملك إلى أن دخلت سنة ست وخمسين وسبعمائة والخليفة يوم ذاك المعتضد بالله أبو بكر ونائب السلطنة بمصر الأمير آقتمر عبد الغني وأتابك العساكر الأمير شيخون العمري - وهو أول أتابك سمي بالأمير الكبير وصارت من بعده الأتابكية وظيفة إلى يومنا هذا ولبسها بخلعة‏:‏ وإنما كانت العادة في تلك الأيام أنه من كان قديم هجرة من الأمراء سمي بالأمير الكبير من غير خلعة فكان في عصر واحد جماعة كل واحد منهم يسمى بالأمير الكبير حتى ولي شيخون هذا أتابكية العساكر - وسمي بالأمير الكبير - بطلب تلك العادة القديمة وصارت من أجل وظائف الأمراء‏.‏

تم ذلك‏.‏

انتهى‏.‏

وكان نائب الشام يوم ذاك أمير علي المارديني ونائب حلب طاز وصاحب بغداد وما والاها الشيخ حسن ابن الشيخ حسين سبط أرغون بن أبغا بن هولاكو‏.‏

وفي هذه السنة أيضًا كملت خانقاة الأمير الكبير شيخون العمري بالصليبة والربع والحمامان وفرغت هذه العمارة ولم يتشوش أحد بسببها‏.‏

ورتب في مشيختها العلامة أكمل الدين محمد بن محمود البابرتي الحنفي وأشركه في النظر‏.‏